معالي العلّامة عبد الله ابن بيّه
رئيس المجلس العلميّ الأعلى لجامعة محمّد بن زايد للعلوم الإنسانيّة

“إنّ المواطنة لم تكن على مرّ الأعصار واختلاف الأقطار على وِزان واحد في حقيقتها أو مقوّماتها، بل الأصوب أن نتحدّث عن مواطَنات تتّسع أو تضيقُ بحسبِ السّياقات.. إنّ المواطنَةَ رباطٌ أو رابطةٌ معقودةٌ في أُفُقٍ وطنيٍّ، تتسامَى على الفئويّةِ والقبَلِيَّةِ، لكنّها لا تُلغيهَا بالضّرورة، إنّما المطلوبُ أن تتواءَمَ مَعَهَا وتتعايَشَ معهَا تعايُشًا سعيدًا.. إنّ المواطنَةَ مفهومٌ موسومٌ بالتّوسّع..، توسُّعِ دوائر المعياريّة المتضمَّنَةِ فيه، وبارتفاع سقف الطّموحاتِ في الحقوق والواجبات…، ولكلّ وضعٍ تاريخيٍّ دوائرُ من المقبوليّة والمطلبيّة تتّسع أو تضيقُ..”.

ترتبطُ المواطنةُ في أصلِها اللّغويِّ بالوطنِ، ذلكَ المحضِن الذي تربطُ الإنسانَ به رَوابطُ عاطفيّةٌ لا تختلِفُ عن الأواصرِ التي تصله بنَسَبِه وأصلِهِ؛ ولذلكَ كانت محبّةُ الوطنِ عندَ سائر الأُمم والشّعوبِ معدودةً من جملةِ الفضائلِ ومَحَاسِنِ الخلالِ، ومن مأثورِ قَوْلِ العرَبِ في ذلكَ: «مَيْلُكَ إِلَى مَوْلِدِكَ، مِن كَرَمِ مَحْتِدِكَ».

إنَّ هذه الرّوابطَ العاطفيّةَ بين الإنسان وموطنِه هي منشأُ تلك الدّلالةِ القيميّةِ الأخلاقيّةِ التي ظلّت متجذّرةً في مفهوم المواطنة. وقد تجلّى ذلكَ فيما فرّعتْهُ أفكارُ الفلاسفة والمفكّرينَ عنه من مفاهيمِ الانتماءِ، والهوّيّةِ، والولاء، والاعترافِ، والتّسامحِ، والسّلامِ، وما عدّتْهُ ترجمةً عمليّةً لهُ في الواقِعِ، من أخلاق التّضامنِ، والتّراحم، والتّعاون، والمسؤوليّة، والواجِب، واحترامِ القانون، وحقوق الإنسان.

إنّ المقارباتِ الفكريّةَ والفلسفيّةَ التي فُرّعت بواسطتها هذه المفاهيمُ القيميّةُ والأخلاقيّةُ عن المواطنة، انطلقت من معالجةِ تجاربَ تاريخيّةٍ وواقعيّةٍ، أَسْلَمَتْهَا إلى تلك المفاهيم؛ فمنذ القرن السّابع عشرَ، (مع توماس هوبز، وجان جاك روسو، وجون لوك) إلى العصر الرّاهن (مع أمثال أكسيل هونيت، وهانس يوناس، وويل كيمليكا) توالت التّفريعاتُ بحسبِ تنوّع التّجاربِ والمعالجاتِ، ممّا أنتجَ مادّةً نظريَّةً مفيدةً غايةَ الإفادةِ في تأكيد السّمة الأخلاقيّة لمفهوم المواطنة من جهة، وفي تثمينِ الأدوار الوظيفيّة التي يؤدّيها في تحقيق مصالح المجتمعاتِ والشُّعوبِ من جهة أخرى.

بيدَ أنّ تبلورَ هذه المقارباتِ في السّياق الغربيّ، يطرحُ تساؤلاتٍ عديدةً حولَ هذا المفهوم، من حيثُ استدعاؤُه في السّياق العربيّ المعاصر، بخُصوصيّاتِهِ، وإشكالاته، وتحدّياته، تجمعها ثلاثةُ تساؤُلاتٍ:

o سؤالُ الائتلاف والمُواءمةِ، أي: كيف يمكنُ أن يُدمَج هذا المفهوم في النّسق الثّقافيّ العربيّ، بما يوائمُ خصائصَه، التي يتميّزُ بها عن النّسق الثّقافيّ الغربيّ الذي نشأ وتطوّر فيه؟

o سؤالُ الإعمالِ والتّفعيل، والمرادُ به: كيف يمكن أن يوظّفَ هذا المفهومُ بما يُعينُ على معالجة المشكلاتِ التي تعاني منها المجتمعات المسلمة اليوم، كمشكلة الأصوليّات الدّينيّة، وتحدّيات العولمة، وقضايا التّعدّديّة والتّنوّع والاختلاف، ومتطلبات الدولة الوطنية؟

o سؤالُ الاستدامةِ والتّثميرِ، ونعني به: ما السّبيلُ إلى الاستحضارِ الفاعلِ لهذا المفهوم للإفادةِ منه في مختلف ما يمكن أن يعرض للمجتمعات العربيّة المسلمة من تحدّيات وإشكالات؟

وسعيًا إلى مناقشةِ هذه الإشكالات، والإجابة عن هذه التّساؤلات، تنظّم جامعة محمّد بن زايد للعلوم الإنسانيّة، مؤتمرًا علميّا بعنوان: «المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك».

اللجنة العلمية للمؤتمر

أ.د رضوان السيد عميد
كلية الدراسات العليا
د. محمد العزيزي مساعد
نائب مدير الجامعة لقطاع الشوؤن الأكاديمية بالإنابة
د. فاطمة الدهماني
رئيس قسم التسامح والتعايش
د. مريم الزيدي
رئيس قسم الفلسفة
د. أحمد لكليمي
عضو الهيئة الأكاديمية بالجامعة
د. براين رايت
عضو الهيئة الأكاديمية بالجامعة