إنّ للدراسات الإسلامية في مؤسّسات التّعليمِ دورًا بالغَ الأهمّيّةِ في الحفاظ على أصالة الخطاب الدّينيّ، وتطوير العلوم الشّرعيّة بما يؤهّلها للإسهام في حركة التّنمية والتّطوير، والتّجديد والتّحديث.
لكنّه بالنّظرِ في واقع هذه الدّراساتِ بالجامعات العربيّة والإسلاميّة، يتبيّنُ مدى تأخر أغلبها في أداءِ هذا الدّورِ؛ إذ غلبَ على مناهجها نوعٌ من التحجر والجمودِ في دوائر مغلقة، يحولُ دونَ فتح الآفاق الواسعة أمام البحث العلمي الجادِّ الذي يُنتظَر منهُ تقديمُ رؤًى واقتراحُ مقارباتٍ من شأنها أن تسهمَ في مدّ جسور الوصل بين الدّين والعلم، والنّصّ والعقل، والشّريعة والفلسفة.
كما يلاحظ في مضامينِ كثير من مقرّراتها الدّراسيّةِ تأثّرٌ واضحٌ برؤًى بعيدةٍ عن العلم ومبادئه ومناهجه، أو بتصوّراتٍ تحصرها في نطاقِ التَاريخِ والماضي، فتقضي عليها بالثّبات والجمود .
لقد أصبحت المجتمعات المسلمة اليوم في حاجة ماسّة إلى استثمارِ هذه المعارفِ في بناءِ الإنسان، وتنمية الأوطان، وتطويرِ ما ينفعُ الإنسانيّة ويفيدها من مختلِف المعارف والعلوم.
لأجل ذلكَ صارَ مِن الواجبِ اقتراحُ أفكارٍ وصياغةُ تصوّراتٍ؛ لإعادةِ بناءِ الدّراسات الإسلاميّة، وَفق ما يحقّق هذه الغايات النّبيلة، والمقاصدَ السَّنِيَّةِ، في ضوءِ رؤى التّكامل والتّمازج، بين علوم اللّسانِ والإنسان والطبيعة والأديانِ.
إن هذا التّكامل المعرفيّ ينبغي أن يراعى في تحديدِ المخرجات التّعليميّة عند صياغة برامج التّعليم الدّينيّ، وذلك لبناء قيادات دينيّة واعية متّزنة، تجمع بين العلوم الإنسانية والمعارف الشّرعيّة، فتستطيعَ أن تفهم مجتمعاتها، وتدرك احتياجاتها الواقعية، وتطلّعاتها المستقبليّةَ، وأن تُنتجَ خطابًا دينيًّا جديدًا، يسهم في تلبية تلك الاحتياجاتِ، والاستجابةِ لتك التّطّلّعاتِ ويوجّهُ نحو الانخراط فيما تتطلّبه مساراتُ التّنميةِ من البرامج والمشاريع.
وإذا كانت مخرجات الدّراسات الإسلاميّة في الجامعات غالبا ما تتوجّه نحو المؤسّسة الدّينيّة بمختلف مجالاتها، فإنّ إتّاحةَ فرصِ التحاور بين الهيئات الأكاديميّة المتخصصة بالمؤسّسات الجامعيّةِ، وبين الفاعلين في الشأن الديني المتعلق بالمساجد وخطب الجمعة ومجالس الوعظ، وبين مقدمي البرامج الإعلامية الدينية والفكرية، من شأنه أن يفتح آفاق التعاون بين هاته الأطراف، ويسهم في تحقيق التّكاملِ المعرفيّ المنشود.
واضطلاعًا برسالتها العلميّة والبحثيّة، وبواجبِ الإسهام في خدمة المعرفةِ وتطويرها، اختارت جامعة محمّد بن زايد للعلوم الإنسانيّة أن يكون موضوع مؤتمرها الدّوليّ السّنويّ الثّاني:
ويأتي اختيار هذا الموضوع في سياق التّحدّيات الكبرى التي تواجه حقل الدّراسات الإسلاميّة في العصر الرّاهن، فتسائلهُ عن جملة من الإشكالات يمكن تلخيصُها في أسئلة الأهمّيّة، والإفادةِ، وآفاق التّطوير.
والجامعةُ إذ وقع اختيارها على هذا الموضوع تسعى إلى استثارةِ الأفكار والتّصوّراتِ، واستثمار التّجارِب والخبراتِ، بغيةَ استخلاصِ جملةٍ من التّوصيات، التي يمكن الإفادة منها في تطويرِ الدّراسات الإسلاميّة في الجامعات، بدءًا بتجديدِ المناهج، وانتهاءً إلى تجويدِ المخرجاتِ.
وبناءً على ما سبق، تقترح اللجنة العلمية للمؤتمر تناولَ الموضوعِ في المحاور الآتية:
يسعى هذا المحورُ إلى توصيفِ واقعِ برامجِ الدّراسات الإسلاميّةِ التي تختلفُ من حيثُ الرؤى والمضامين، بحسبِ أنواعِ مؤسّسات التّعليم الجامعي والبحث العلميّ، وذلك في موضوعاتٍ ثلاثة:
1- الدراسات الإسلامية في الجامعات الرسمية.
2- الدراسات الإسلامية: نموذج أسلمة المعرفة.
3- الدراسات الإسلامية وتحديث الدرس الديني.
يقصد هذا المحورُ إلى استعراضِ المناهج المعتمدةِ لدى المؤسّسات الجامعيّةِ في مستويي البحثِ والتّدريس، وذلك في جلستين، توزّعُ بينهما الموضوعات على النّحو الآتي:
1- مناهج البحث في الدّراسات القرآنيّة.
2- مناهج البحث في العلوم الشّرعيّة والدّراسات الإسلاميّة.
3- مناهج البحث في الدّراسات الإسلاميّة بالجامعات الغربيّة.
1- منهج التأصيل والتجديد.
2- منهج التحديث.
3- منهج النقد والتفكيك.
يهدفُ هذا المحورُ إلى اجتراحِ تصوّراتٍ نظريّةٍ واقتراحِ توصياتٍ عمليّةٍ من أجلِ تجديدٍ بنيويٍّ لأهمّ العلومِ والمعارفِ التي تكوّنُ جوهرَ الدّراسات الإسلاميّة، وتتمثّلُ في المجموعاتِ الأربعة الآتية:
1- علوم النص والأثر .
2- علوم الاعتقاد والتأويل.
3- علوم الفقه والأصول.
4- الثقافة الإسلامية: رؤية جديدة.
يستعرض هذا المحورُ آفاقَ الوصلِ بين العلوم الشّرعيّة والعلوم الإنسانيّة؛ سعيًا إلى إبرازِ ما يمكن أن يترتّب على ذلك الوصلِ من فتح آفاق الإبداعِ في سبيلِ تطوير الدّراسات الإسلاميّة وإعادة بنائها، وذلك في الموضوعات الآتية:
1- الدراسات الإسلامية والعلوم الطبيعية.
2- الدراسات الإسلامية والعلوم الاجتماعية.
3- الدراسات الإسلامية والعلوم اللغوية والأدبية.
4- الدراسات الإسلامية والفلسفة.
5- الدّراسات الإسلاميّة والذّكاء الاصطناعي.
يروم هذا المحور بيان ما يمكن أن تسهم به الدّراسات الإسلاميّة في إثراء النّقاش العامّ حول قضايا التّعدّديّة الدّينيّة، ومفاهيم الدّولة الوطنيّة والقيم الكونيّة، مقترحًا جملة مواضيع تتناول بالدّرس والتّحليل ما تثيره تلك القضايا والمفاهيم من إشكالاتٍ موضوعيّة ومنهجيّةٍ في سياق الرّؤى التّقليديّة؛ سعيًا إلى استخلاصِ معالم نظريّةٍ تأويليّةٍ جديدةٍ لتجاوز تلك الإشكالات، وذلك في جلستين:
لمّا كان الخطابُ الدّينيُّ صنيعةً تنتجها مُخرجات الدّراساتُ الإسلاميّةُ وتُسَوّقُها عبر المؤسّسات الإعلاميّة والدّينيّةِ وغيرها، ناسبَ أن يفردَ ذلكَ بمحورٍ تتمُّ فيه مقاربةُ مواضيع ثلاثةٍ يُستشرَفُ أن يتجلّى فيها أثرُ إعادةِ بناء الدّراسات الإسلاميّةِ في تجديد الخطاب الدّيني، وتأثيرُ ذلكَ في المجال العامّ، وهي:
1- الخطاب الديني في وسائل الإعلام.
2- خطبة الجمعة وآفاق التّطوير.
3- تطوير الخطاب الديني العام.