فكل العلوم نشأت في رحم الفلسفة، وتخلّقت ثم تشعّبت واستقلّت، لكنها ظلّت وفية لأصلها. والمطّلع على تصنيفات العلوم القديمة يجد العلوم حاضرة في جبّة الفلسفة، وكتاب “إحصاء العلوم” للمعلم الثّاني شاهد فريد على هذا الزعم. وقد ظلت الصّلة بين الفلسفة والعلم قوية حتى أعلن إيمانويل كنط انفصالهما في كتابه “نقد العقل المحض”، وقد حاولت الفلسفة الوضعية أن تعمّق هذا الفصل، حتى أصبحت الفلسفة مع أوجست كونت مرحلة من مراحل التّفكير الإنساني، ونُودِي بإحلال العلم محلّ الفلسفة، لأن القول العلمي تصدقه التّجربة في حين أن الميتافيزيقا تخذلها الحواسُّ. لكن هذا لم يقض على التعاون بين الفلسفة والعلم، حيث تُنتج الفلسفةُ إشكالات يبادر العلماء إلى حلّها، ويُنتج العلم إشكالات تُهْرَعُ الفلسفةُ إلى تقديم أجوبة حولها، فكان هذا التّعاون المبدع بين الفلسفة والعلم عاملا حاسما في تطوّر الفكر النظري، واليوم أصبحت الفلسفة، من خلال علاقة النظرية بالتجربة، لحمةَ العلم وملاكَه. ومركز الدراسات الفلسفية يتخذ من هذه العلاقة الجدلية أرضية لتأكيد هذه الصلة التي يرجوها خصبة ومبدعة لأقوال علمية رصينة. دون أن يغفل الصلات القوية بين العلوم الإسلامية والفلسفة، بل إن الفلسفة الحقيقية للمسلمين تجلت في علومهم الأصيلة من مثل علم أصول الفقه وعلم الكلام وعلوم العرفان وعلم الفلك الذي أبدع فيه المسلمون إبداعات كان لها أثر كبير على الثورة الكبرنيكية الحديثة.