الفلسفة والتفكير النقدي
الرئيسة » الفلسفة والتفكير النقدي
الفلسفة والتفكير النقدي
الفلسفة تفكيرا نقديا
النّقدُ لغة تمييز الجيد من الرديء، وقد ارتبط النّقد بالفلسفة حتى إنه لا تفكير نقديا إلا التّفكير الفلسفي، ولعل أول من كرّس هذه الخاصّية للفلسفة هو أمبادوقليس صاحب القصيدة الشهيرة في تمييزه بين الحقيقة والظن، فمع هذا الفيلسوف بدت طلائع التفكير النقدي التي ستتقوّى مع سقراط، وتترسّم على شكل أورغانون مع أرسطو. ولعل سمات النقد في المنهج التوليدي لسقراط كانت من أبرز سمات التفكير الفلسفي القديم، فقد كان سقراط حريصا على بيان الثغرات العلمية في أجوبة محاوريه حتى يعمدوا إلى تصحيح أقوالهم تحت ضرباته النقدية النفّاذة المحمّلة بلهيب السخرية وادّعاء الجهل. لكن أرسطو علّم البشرية النّقد صناعيا من خلال كتبه الستّ أو الثّمانية، والتي جعلها تدور حول البرهان.
واعتناء مركز الدراسات الفلسفية بهذه الخاصية استمرار لاعتناء الفلاسفة المسلمين الذين لم يكونوا يتحرّجون من نقد أي رأي يرونه لا يستجيب للمعايير التي يوزنون بها الرّأي الصحيح، نجد ذلك مبثوثا في ثنايا كتبهم، ولعل أهم ميزة تدمغ شخصية الفيلسوف هي كونه ناقدا لا يقبل الآراء إلا إذا خضعت لمقاييس علمية محددة، لكن الفيلسوف الذي ارتبط النقد باسمه لم يكن غير الفيلسوف الألماني “كنط” صاحب الثلاثة الشهيرة “نقد العقل النظري”، و”نقد العقل العملي”، و”نقد ملكة الحكم”، وقد تجلى النّقد عند كنط كونه وضعاً لحدود للمعرفة. إن النقد ليس سمة للفكر الفلسفي، بل هو ملاكه ولحمته، ذلك أن التفكير الفلسفي في عمقه هو تفكير إشكالي تسكنه المفارقات؛ يبلور الأسئلة، ويجابه الإحراجات بأدوات منطقية محكمة، ويجتهد على مستوى المفاهيم لتقديم نسق نظري يسهم في فهم الواقعين النظري والعملي معا. ونرجو في مركز الدراسات الفلسفية أن ينتج هذا الموضوع فرصا علمية جادة لجعله في مركز الاهتمام والتأثير.